إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة
شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة
70877 مشاهدة
حقيقة الرياح وتأثيرها في الكون

...............................................................................


وأما الآثار التي بعدها فهي تتعلق بالرياح كما سمعنا. الرياح هي هذه الريح التي يرسلها الله تعالى، وتكون قوية وتكون هادئة ساكنة ويرسلها الله تعالى رحمة، ويرسلها أحيانا عذابا. وفيها مصالح عظيمة كما في هذه الآيات. من مصالحها أنها تَجري بها السفن؛ السفن القديمة يجعل لها مثل الشراع يقابل الشمس، ثم تدفعه الريح حيث يريدون أن يتوجهوا إلى أن يقطعوا البحر، ولو كان البحر مسيرة ألف كيلو أو أكثر يقطعونه على هذه السفن، ويعرفون كيف يسيرون بالنجوم.
كما في قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وهم في لجة البحر. إذا أظلم الليل يعرفون الجهة التي يريدون أنها جهة النجم الفلاني فيوجهون إليه تلك السفينة تتوجه بإذن الله وتسيرها هذه الريح، وإذا سكنت الريح وقفت.
قال تعالى: إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ فهو الذي علمهم صناعة هذه الفلك التي هي من آيات الله، وكذلك أيضا سيرها بهذه الرياح؛ بهذه الريح التي تدفعها ريحا طيبة، وإذا اشتدت الريح فإنها تضطرب السفينة، ويخافون الغرق إلا أن ينجيهم الله تعالى.
قال تعالى: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ أي: في السفن وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ أي: ريح لطيفة لينة جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ العاصف: من رياح البحر وكذلك القاصف كما سمعنا. جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ إذا اشتدت الريح بهذه الصفة فإن البحر تموج أمواجه، وتضطرب أمواجه حتى ترتفع على وجهه ارتفاع متر أو مترين أو أكثر كأنها جبال وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ أنهم سوف يغرقون دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وينسون ما يشركون.
ويقول تعالى: وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ أي: ذهب عنكم من تدعونه من الأوثان إلا إياه؛ إلا الله وحده: فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ .
ثم قال تعالى: أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثم قال: أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى في البحر فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ فالقاصف اسم من أسماء الريح، الريح الشديدة التي هي عذاب، وكذلك العاصف جاءتها ريح عاصف العاصف: الرياح الشديدة التي إذا اشتدت تكاد السفن أن تغرق من شدة دفعها له ولا ينجيهم إلا الله تعالى عندما يدعونه وحده. دليل بلا شك على أنه هو الذي يسيرها. الله الذي يرسلها ويسيرها كما يشاء، والذي جعل هذه رخاء، وجعل هذه قاصفا يعني شديدة الدفع.
كذلك أيضا الرياح التي في البر أي تكون عذابا وتكون رحمة، فتكون رحمة حيث أن الله ينشئ بها السحب ويسيرها كما في قوله: اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا وفي قوله تعالى: وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ أي: تلقح هذا السحاب وتسيره حيث يشاء الله تعالى يرسلها مثيرة. يعني: تثور وتثير السحب بإذن الله تعالى.وقد يرسلها عذابا، فقد أرسلها الله تعالى عذابا على عاد كما في قوله تعالى: أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ يعني: أفسدته وفي قوله تعالى: بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ وذلك لأنهم لما أبطأ عليهم المطر ورأوا ذلك السحاب المتراكم قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا قال الله تعالى: بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا تدمر ما مرت عليه مما هو قابل للتدمير بأمر ربها. هذه من آيات الله تعالى.
ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور الصبا: الريح التي تأتي من الشرق ويسمونها نسيم الصبا. يعني أنها الريح اللذيذة التي نسيمها يفرح ويسر نسيم الصبا.
وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه نصر بالصبا، وذلك يوم أن جاء الأحزاب الذين خيموا على المدينة وحاصروا أهلها سنة خمس؛ لما ضاقت الحال بأهل المدينة أرسل الله ريحا على أولئك الأحزاب قال الله تعالى: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا قيل: إن مع الريح ملائكة فكانت تقلع الخيام وتطفئ النيران وتقلب القدور، فلم يستقر لهم قرار. فعند ذلك رحلوا ورجعوا، وعرفوا أن هذا عذاب من الله لا قدرة لهم على مقاومته فرجعوا. أما عاد فأهلكوا بالدبور التي هي الريح التي تأتي من الغرب أرسل الله عليهم الريح العقيم في قوله تعالى: فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ .
الصرصر: هي من ريح البرق من العذاب: صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ تقلب أحدهم حتى يندق عنقه، وقيل: إنها تخطفهم وترفعهم ثم ينقلبون على رءوسهم. هذه من آيات الله تعالى التي يخوف بها عباده.